ياسر أيوب يكتب: المجلس العسكرى وكرة القدم
٨/ ٨/ ٢٠١١
العسكر هم أصحاب أول صفحة فى كتاب تاريخ الكرة فى مصر، أول من بدأ كتابة تاريخ الكرة.. وعبر أكثر من مائة سنة.. لم يكن العسكر، وفى أى وقت، بعيدين أو غائبين عن المشهد الكروى.. كانت هناك طول الوقت أندية رسمية لهم تلعب الكرة أو كان منهم من يدير بنفسه اتحاد الكرة وكبار أنديتها، أو على الأقل يشارك فى إدارتها.. فجعفر والى باشا كان أول رئيس لاتحاد الكرة عام ١٩٢١ قبل أن يصبح وزيراً للحربية.. ومحمد حيدر باشا صاحب أطول الفترات والسنين جلوسا على مقعد رئيس الاتحاد فى تاريخ الكرة المصرية حتى عام ١٩٥٢، وهو كبير ياوران الملك والقائد العام للقوات المسلحة ووزير الحربية..
والمشير عبدالحكيم عامر كان وزيرا للحربية وفى الوقت نفسه رئيسا لاتحاد الكرة منذ عام ١٩٥٨ وحتى ١٩٦٧.. وسبق أن أدار اتحاد الكرة اللواء مصطفى علوانى والعميد إبراهيم الجوينى واللواء فاروق أبوالعز.. حتى زاهر، رئيس اتحاد الكرة الحالى، هو فى الأصل ضابط عسكرى سابق، كما أن أشهر وأهم مدير لاتحاد الكرة والأطول وقتا فى شغل هذه الوظيفة كان اللواء محمد الديب.. أى أن العسكر أداروا اتحاد الكرة فى مصر أكثر مما أداره المدنيون.. وهو أمر لم ينتبه إليه أو يتوقف أمامه أحد من قبل رغم كل ما يحمله من دلالات ومعانٍ وإشارات.. هذا إلى جانب عسكر كثيرين أداروا أو شاركوا فى إدارة الأندية المصرية فى القاهرة والإسكندرية كالأهلى والزمالك والأوليمبى..
وتخيل الجميع أن الكرة سيتبدل حالها ويطرأ عليها تغيير حقيقى بعدما أصبح المجلس العسكرى هو الذى يحكم مصر.. إلا أن الذى حدث بالفعل كان عكس ذلك تماما.. فلم تطف الكرة على السطح فى أى وقت ولم تنل أى استثناءات.. ولم يتوقف المجلس العسكرى أمام الكرة إلا لدواعى الأمن فقط ومقاومة أى محاولة لاستخدام الكرة واستغلالها فى أى تخريب أو خروج على أى قواعد للأمن والنظام والسلام الاجتماعى.. ومن قبيل المفارقات أن الثورة قامت فى يناير وهناك ثلاثة أندية عسكرية تشارك بالفعل فى الدورى الممتاز للكرة.. إلا أن الانتقادات لوجود هذه الأندية الثلاثة فى مسابقة واحدة - استنادا إلى المادة ١٨ من قانون الفيفا - كانت بعد الثورة أعلى صوتا وأكثر صخبا وليس العكس، حين كان مبارك هو الحاكم والرئيس.. ولم نشهد أى ميزة تمتعت بها تلك الأندية العسكرية بعد أن بدأ المجلس العسكرى يحكم مصر..
وحتى حين حاول مجلس إدارة اتحاد الكرة جرجرة المجلس العسكرى إلى دوائر خلافاته وقراراته وحروبه الكروية والإعلامية.. لم يستجب المجلس العسكرى لكل ذلك وبقى بعيدا تماما عن أى فوضى كروية عاشتها وشهدتها مصر عقب عودة النشاط الكروى بعد ثورة يناير.. وهو أمر أشكر عليه المجلس العسكرى الذى نأى بنفسه عن الكرة وفوضويتها وترفع عن الخوض فى قضاياها وتفرغ لهمومه وواجباته وشواغله.. ولكننى أيضا أعتب على المجلس العسكرى، لأنه لم يلتفت للكرة أبدا بقصد تنظيمها..
وأعرف مقدما الانتقادات التى ستقال، وأن المجلس العسكرى لا يملك رفاهية الوقت ليلتفت إلى الكرة على حساب القضايا الحقيقية والأساسية ووسط ظروف سياسية وأمنية واقتصادية واجتماعية بالغة التعقيد.. وأنا أحترم كل ذلك ولا أطلب من المجلس العسكرى إلا أن يأمر المجلس بإدارة الكرة فى مصر بمنتهى الحسم الذى ينهى فوضويتها وعشوائيتها.. وألا يتحدث باسمه أى أحد فى أى شأن كروى.. وأن يعلن الاستقلال الكامل والحقيقى لاتحاد الكرة وحريته المطلقة فى إدارة شؤون اللعبة لأول مرة فى تاريخ مصر.. لا أقصد الاتحاد الحالى بشخوصه وإنما أقصد المبدأ نفسه ليصبح أى اتحاد جديد قادم هو السلطة الكروية الوحيدة التى يمكن محاسبتها دون أى أعذار.
